يتساءل عقلاء العالم
س1 : لماذا هذا الظلم والطغيان الذى يسود العالم ، حيث تبتز الدول القوية الدول والشعوب الضعيفة ؟
س2 : لماذا ينقسم العالم الى نوعين أسياد أقوياء يمتلكون كل شىء ،وعبيد ضعفاء لا يملكون أى شىء؟
س3 : لماذا هذا التناقض الكبير بين تقدم تكنولوجى رهيب ومتسارع ، وملايين البشر يموتون فقرا وجوعا ومرضا وتشردا؟ في حين أن المال والطعام والعلاج والإيواء متوفر وفائض لدى مجتمعات ودول أخرى ؟
س4 : ما سر هذا التناقض بين ما يدعيه زعماء العالم من حقوق إنسان وعدالة ومساوة وبين حقيقية
الإنسلاخ المستمر من القيم الإنسانية وغعلان الحرب عليها ؟
س5 : لماذا كل هذه الغطرسة الأمريكية والغربية وسعيها لفرض قيم وقوانين القوة على حساب الضعفاء؟
س6 : لماذا هذا التسارع العالمى نحو التمرد على الفطرة الإنسانية ، والنزوع نحو الشذوذ
بالإضافة إلى الإصرار على فرض وإعلاء مجتمع التفاهة والتافهين ؟
الإجابة وكلمة السر في العمق الفلسفى لنظام القيم الذى يديرالعالم الآن ؟
لكن لابد في البداية أن نتوقف مع العمق الفلسفى للأديان السماوية والدين الخاتم دين الإسلام لنرسم التصور الأساس المرجعى للحياة على كوكب الأرض .
الجذور الفلسفية للقيم في الإسلام
ــ الإسلام رحمة للعالمين بكافة أشكال الخير المعنوى والمادى ، ودرء أى مخاطرممكنة عن الإنسان
ــ التكريم الخاص للإنسان ، بتمييز الإنسان بنعمة العقل ، ومن ثم حرية التفكير والإختياروالمسئولية والمحاسبة
ــ كل الناس سواسية ، ومن ثم المساواة والعدالة للجميع
ــ تسخير كل شىء في الكون لخدمة الإنسان
ــ إستخلاف الله تعالى للإنسان لعمارة الكون
ــ معتقدات وقيم مفاهيم الوحى لهداية الناس ومساعدتهم ودعمهم وتعزيز قدرتهم على
أداء رسالتهم ومهمتهم في الحياة ، وتحسين جودة حياتهم في الدنيا ، والفوز بالآخرة
ــ القيم هى القيمة في ذاتها تبنى وتعزيزقدرات وممكنات و القيمة المضافة لمن يؤمن ويتمسك بها
ــ القيم مصدرها مصدرها الوحى ، وما تنتجه تصورات الفكر البشرى بشروطها النافعة
للناس ، فكل ما ينفع الناس فهو قيم وإن إختلف وتباين قدره .
ــ الإسلام متمم ما بعده من الرسالات والفكر البشرى الصحيح النافع للناس
نيتشه والفلسفة الغربية
يعد نيتشه أهم علماء القيم الغريين و المؤسس الحقيقي لعلم القيم ، والذى استطاع أن ينتقل بالعقل الفلسفي الغربي من البحث عن الحقيقة والوجود إلي البحث في الإنسان والقيم ، وإعادة تقويم القيم التي استسلم لها الإنسان وحتمية الخروج علي كل دين وقديم وثابت ومسلم . 1 ــ نيتشه Nietzsche يعد ناحت مصطلح القيمة غربيا ، وقد أحتلت فلسفة القيم المكانة الأولى في ألمانيا نحو عام 1900، وفي إنكلترا وأمريكا نحو عام 1910، ومن ثم في فرنسا.
علم القيم = لاهوت و منطق و اخلاق و تربية و اجتماع سياسيي و إدارة وتنمية
من اكبر واقوى الفلاسفة تأثيرا في النظام القيمي الغربي في القرن 20 وما بعد حتى الآن
هو الفيلسوف الألماني نيتشه 1844 ــ 1900 م ــ والذى سيعد مفتاحنا الى فهم مرتكزات النظام القيم الغربي
لماذا نيتشه ؟
ليس لما جاء به ، وانما لأنه الأقوى تطبيقا وتأثيرا منذ طلع القرن 20 وحتى الآن
1ــ يُعرف الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه بتأثيره الكبير، وكتاباته عن الخير والشر، ونهاية الإيمان في المجتمع الحديث ومبدأ الإنسان الخالد ، وقد تحدى عصر فلسفى كامل وأحدث انقلاب وثورة في الفكر الفلسفي الألماني والغربي، وتأثر به الكثير من الفلاسفة ممن جاؤوا بعده .
2ــ هدم النظام الأخلاقي القديم لاوربا الدينى وغير الدينى ، منذ المسيح والتي أقرتها المسيحية والفلاسفة من لدن افلاطون إلي سقراط ، وأصر علي إهانتها وتشويهها ووصفها بأخلاق العبيد والقطيع ، واعتبرها مبررا للفشل والضعف
3ــ مؤسس النظام الأخلاقي الحديث نظام القوة ، الانتقال من فلسفة المنفعة والمصلحة الى القوة والسيطرة
والذى تتبناه الإدارةالأمريكية المحافظين والجمهورين على السواء ،
4 ــ هناك ما هو أعمق من المصالح العليا للأمة الامريكية ، والأمة الفرنسية ..الخ ، بل وأعمق من المصالح الإنتخابية للقوى السياسية المتصارعة على الحكم في هذه البلدان ، هناك عالم الأفكار والأيدولوجيا المستقرة
في عمق الجبل الجليى في اعماق البحر حيث يرقد نيتشه معلما وموجها ، لنفوس بشرية أعلنت تمردها على الحقية وعلى الأديان وعلى الله تعالى .
من القيمة هي التي تحقق منفعة ومصلحة ما الى القيمة هي التي يفرضها القوى لتحقيق سيطرته
4ـ أعاد بناء مفهوم القيم على أسس جديدة ، فليست القيم هي التي جاءت بها الأديان او المرتبطة بفكرة الخير والشر او النفع والضرر، او التي جاء بها الفلاسفة السابقون ، او التي نتوارثها عائليا ومجتمعيا ، انما القيم هي التي يصنعاها الانسان القوى لنفسه ويفرضها على الآخرين ــ نفي المصادر الأساسية للقيم .
5 ــ صفة ومكانة نيتشه في الغرب ــ انه مؤسس وبانى القاعدة الصلبة لصناعة المواطن الغربي الحديث
6 ــ أحدث ثورة حقيقية في النظر والتعامل مع القيم والأخلاق ، بمعنى ثورة أخلاقية برفض هذه الأخلاق والتمرد عليها بتقديم رؤية جديدة لفهم الاخلاق والتعامل معها ، ومن بين مختلف الفلاسفة يقف نيتشه بمفرده باحثا عن التغير الذي يمثل ثورة أخلاقية تنصب على التقاليد الراسخة للأخلاق من أجل محاولة إنتاج أخلاق جديدة ، لذا يلجا نيتشه إلى الجينالوجيا للبحث في منشأ الأحكام الأخلاقية وكيف تحدد معنى "الخير" و"الشر" وهو العمل التأسيسي للقيم عند نيتشه.
7 ــ وتظهر متابعة كتابات الباحثين الغربيين في القيم، أنها نمت وازدهرت بعد نيتشه متأثرة بأفكاره خاصة في:
أولا : إيمانه بتقدم مفهوم القيمة على سائر المفاهيم، وأن الصراع بين القيمة وبين الحقيقة، يحسم للقيمة وتفوقها.
ثانيا : إيمانه بأن الإرادة أصل القيمة ، وأن الإرادة هي القدرة على السيطرة
ثالثا : فردية القيمة وتجازها كل معيار
رابعا : إرادة القوة وغريزة السيطرة
8 ــ اعتنق نيتشه فلسفة قيمية تدعو إلى القسوة بدل الإحسان
9 ــ ورفض اتصاف القيم الأخلاقية بالصفة المطلقة
10ــ وزعزعَ يقين من سبقوه في مضمار القيم ، حيث رفض القيم الذائعة المفروضة على الإنسان من الخارج ( السماء ، السابقين ) فهدم القيم القديمة وماتت الآلهة ، والإله الجديد هو الإنسان الأعلى السوبرمان وهو هادم وعازم ألا يكون رحيماً.، وهو صانع القيم التي يريدها ويحتاجها ويقررها
القيم مصدرها الوحي ، وما تنتجه تصورات الفكر البشرى بشروطها النافعة للناس ، فكل ما ينفع الناس فهو قيم وإن إختلف وتباين قدره
فلسفة نيتشه
ــ فلسفة نيتشه بأكملها تمثل محاولة من أجل إعادة تقييم القيم ، أو ( قلب جميع القيم ) …– Trans-valuation مستبدلا مشكلة الوجود بمشكلة القيمة.
ــ أعتبر أن القيمة هي الشرط الذي وضعته "الحياة نفسها" لإمكان الحياة
ـــ لقد سعى نيتشه إلى خلق مشكلة القيم والتقويم وهو الذي وجهه الفلاسفة إلى تأسيس الأكسيولوجيا.
ــ المعادلة الأساسية عند نيتشه هي : "الوجود=القيمة"
ــ أثر كتابات نيتشه على نشأة نظرية القيمة المعاصرة
نستشهد هنا ببعض أقوال فلاسفة القيم المعاصرين
ــ مولع بفكرة القوة والسيطرة والانسان والرجل القوى المتفوق، الخارق ــ السوبر مان ــ الذى يتغلب على نوازع الشفقة والرحمة داخل نفسه ــ لان الرحمة ضعف ــ الذى يتعالى على اى قواعد أخلاقية أو قانونية
وأي محددات تضبط سلوك الإنسان وعنفوانه وتقيد حريته.
ــ الحياة المثلى هي التي يعيش فيها الانسان على حافة بركان، وفى خطر دائم يدعوه الى اليقظة
والحذر الشديد، والاستنفار الأمثل لكل ما لديه من مواهب وملكات مدفونة.
ــ رفض نيتشه فضيلة الشفقة والرحمة والتكافل الإنساني ، فالمجتمع الفاضل عنده هو المجتمع القوى
المطلق ، الذي يتخلض من الضعفاء والمرضى وذوى العاهات
ــ ــ رفض نيتشه فضيلة التواضع والتعاطف وتفضيله حب الذات على الاهتمام بالآخرين
ــ يمجد العسكرية جدا لارتباطها بالقوة
ــ لا يعترف ولا يقبل بفكرة الاشتراكية والديموقراطية حيث يغلب عليها الانسان الأقوى المسيطر
ــ ينقد ويرفض الأديان بشدة، ويعتقد في ان الانسان هو صانع قدره بلا شريك
ــ عمل نيتشه على تجاوز المنطق والبديهي، وإلغاء معايير قياس وتقويم القيم، تمهيدا لتفكيك القيم ذاتها.
ــ لا توجد أخلاق مطلقة، وأن الحكم الأخلاقي يعتبروهم وأنه لا توجد حقائق أخلاقية ثابته، كما أنه لا توجد ظواهر أو وقائع أخلاقية ، ولكن يوجد فقط تفسير أخلاقي لتلك الظواهر .
ــ ــ تراتبية الإنسان وتراتبية القيم، حيث يرى أن المطالبة بأخلاق واحدة للجميع يعني الأضرار بالإنسان الأعلى تحديدا ، و أن ثمة تراتبية بين إنسان وإنسان يؤكد عليها نيتشه وبالتالي بين أخلاق وأخلاق
ــ نيتشه براجماتي الروح والفكر : الأساس والمنطلق يعتقد أن جميع معارفنا وكل نماذج تجربتنا التصورية تتضمن عنصرا تقيميا ، لذلك فالغاية والمنفعة جوهر فلسفته ومنطلق تفكره
جذور فلسفة نيتشه في القيم
فلسفة القيم عند نيتشه تستند إلي أفكار تأسيسية صلبة ، تمثل جذورا فكرية لكل ما نبت عنه من أفكار وأطروحات ونظريات في مجال القم والإنسان والحياة بشك عام .
1ــ الفكر العقلاني المادي الفلسفي المجرد
2ــ الجدلية الحادة لكل ما هو ثابت وسابق ، وقد أطلق عليه تقليدي منحط
3ــ المدخل النقدي التفكيكي الحاد
4ــ التأسيس والترويج والتمكين لقيم وثقافة الأسياد ، قيم النخبة ، قيم وأخلاق السمو
و الرقي و القوة و التميز والسيطرة والهيمنة علي العبيد
5ــ فكرة الانسان السيد القادر على أن يحيا الحياة النخبوية
6ــ تقويم العالم عبر منظور ثقافة الجسد والقوة والطموح المتزايد
7ــ الإنسان القادر على تقويم القيم وتفسير الأخلاق ، والمبادئ الموروثة ، وكذلك الوقائع البشرية و التاريخ و الطبيعي وفق منطق ( الإنسان الأعلى ) المأمول ، الذي يجب أن يتجاوز الإنسان العادي ويطغي ويسطر ويهيمن عليه دائما .
8 ــ التبشير والإعداد والتأهيل لإنسان وعالم وقرون جديدة تحديدا القرن 19 و20 و21
وتجاوز ما سماه العصر المريض ، القرن 17 ، 18 ، أي المريض بثوابت وموروثات
الماضي والأديان ...الخ
الجذورالفلسفية لنيتشه
ــ القيم نوعان أساسية وهى اللازمة لحياة الناس والمجتمع والأمم ، ووظيفية حيث يرى فيها البعض مصلحة ونفعا له ، حتى وإن لم تكن كذلك لغيره ، وربما على حساب غيره .
ــ القيم نسبية الفهم والإلتزام والممارسة
حتى جاء نيتشه مؤسس النظام القيمى الغربى المعاصر ، صانع المواطن والمجتمع والدول الغربية الحديثة
ــ لا قيم دينية ولا فكرية ولا ادولوجية
ــ القيم هى ما تنتجه الإرادة القوية المسيطرة من مفهيم وتصورات وقوانين
فالإنسان هو واهب القيم بالنسبة إليه، أي مانح المعاني لأشياء، و بالتالي فهو صانع المبادئ
و الأخلاق و المعاني إلى ما لا نهاية.. في انتظار عود على بدء.. و تبدأ من جديد دورة حياة مختلفة في إطار نفس الحركة
مداخل ومفاتيح فهم القيم عند نيتشه
تتم عبر مدخلين أساسين :
المدخل الاول : تحليل أسسها العميقة ، وتفسير أبعادها المتوارية ، في صلتها الوثيقة بمفهوم الإنسان
ماذا يكن ان تحقق للإنسان من مكاسب ، ومدى استمرارية هذه المكاسب
في سياق مستوى الإنسان الفكري والاجتماعي والطبقي العام، و ببيئته الثقافية حيث يعيش و يفكر
و يصارع، و أيضا بواقعه التاريخي الحضاري العام، بشروطه القوية أو الضعيفة المحيطة به.
المدخل الثاني : التركيز على مفهوم القوة و الهيمنة ، و القدرة القصوى في فرض المعنى المراد
و تحقيق القيم المرغوب فيه فرضا.
مثال توضيحي 1 قيمة الخير:
فالخير قيمة يفرضها الإنسان بالقوة التي بحوزته ، قوة الإنسان القادر على ممارستها فرضا و اختيارا ليس فقط كمبدأ و قيمة مجردة، و لكن أيضا كسلوك عملي يفرضه بالقوة.
مثال توضيحي 2 : أخلاق العبيد :
اخلاق العبيد هي نتاج إنسان منحط و ضعيف، لا قدرة له على تغيير واقع حياته و قدره المحتوم. ومن ثم فإن هذا الإنسان الضعيف، ينعته نيتشه، في كتاباته الفلسفية المبكرة، خاصة في كتاب ( إرادة القوة ) ، بالإنسان العادي و المتوسط و المهيمن باعتباره
أــ كائن بشري يستسلم للموروث القيمي القائم
ب ــ و يقود و يطلب دوما أن يبقى منسجما مع ثوابت طبيعته التقليدية البيولوجية، رافضا أي تغيير أو تبديل لواقعه المنحط بواقع قيمي أرقى و مختلف.
جـ ــ كونه إنسان يكتفي بإنتاج و إعادة إنتاج ثقافة الخضوع، و يواصل رحلة استهلاكها، و إعادة تكريسها و دعمها، في نفس الوقت، من منظوره المتشبع حتى الثمالة بإرادة الضعف
د ــ تمكن وديمومة اخلاق العبيد في الجماعات القبلية المنظمة
كونها تمثل نسق عادات و أفكار و قيم سائدة، تعتبر مسلمات بديهية لا يجب مسها أو الخروج عليها.
رؤية تحليلية لنظام القيم الغربية وأهليته لإدارة العالم
ولكى نكون عمليين وواقعين مع أنفسنا ومع العالم تعالوا بنا نبنى رؤية تحليلية لنظام القيم الغربية ومدى جودته حضاريا ، وفق هذه المعايير التى إشتتقتها من الروح العامة للمواثيق الدولية لحقوق الإنسان .
البناء والتطور الحضاري المعنى بتعظيم القيمة المضافة للإنسان ، وتعزيز قدرته وممكناته للوفاء برسالته
الحضارية لعمارة الكون ماديا وروحيا ، ولضمان التحسين المستمر لحياة وكافة المخلوقات على الكوكب
هذا البناء الحضاري هو البوصلة ، والمعيار الذى يوجه وينظم عمل النظم القيمية المختلفة التي يمكن ان تنتجها الثقافات الإنسانية المختلفة ، والتي يعد نسقها المرجعي الى الرسالات السماوية وخلاصة الفكر البشرى ، والذى تم صياغته واعتماده في الامم المتحدة .
في هذا السياق قمنا في هويتى بتصميم هذا النموذج المعياري لقياس مدى وفاء النظم القيمية المختلفة بالاعتبارات الإنسانية والكونية التي قررتها رسل وكتب الله التي نؤمن بها وتوافق عليها النصوص الدولية للأمم المتحدة والمجلس العالمي لحقوق الانسان
اترك لكم الإجابة ، وتدوين الملاحظات
Comments