top of page

التكوين النفسي لشباب وفتيات مصر الحديثة ..رسائل خاصة



اقتضت سنة الله تعالى في بناء و إدارة وتنظيم حياة المجتمعات والأمم اصطفاء ثلة منتقاة من البشر ، وإعدادهم وتأهيلهم تأهيلا خاصا ومميزا لتحمل تبعات الإصلاح والتغيير عبر محطات التاريخ البشرى ،( إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ) آل عمران: 33 فيصطفى الله تعالى لدعوته ورسالته رسلاً وأنبياء، ويصطفى من بينهم أولى العزم من الرسل والأنبياء، لتتحمل مسئولية ومهمة الإصلاح والتغيير خلال محطات تاريخية ممتدة ، ومتأزمة أحيانا فتحتاج إلى نوعية خاصة من الأنبياء أولى العزم، كما فعل مع سيدنا موسى عليه السلام (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي ) طه 39 ، ثم يصطفى الله عز وجل من بين أولى العزم من الأنبياء جميعا سيد الخلق أجمعين صاحب الرسالة الخاتمة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ويعده ويؤهله تأهيلا خاصا ومميزا ليواجه اشد محطات التاريخ البشرى تأزما ، كما انه سيكون النبي الخاتم الذي لا نبي بعده ، وستتحمل أمته مهمة الإصلاح والتغيير بقية الحياة الإنسانية إلى قيام الساعة . (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَر ) آل عمران: 110 ( هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ) الحج: 78.

ويؤكد ويفسر رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة الاصطفاء والإعداد والتأهيل الخاص والمميز لأتباعه من العاملين للإصلاح والتغيير فيكشف لنا عن حقيقة بشرية هامة هي أن «الناس كإبل مائة قل أن تجد فيهم راحلة» كما أنه «يحمل هذا العلم من كل خلف عدو له» ، في إشارة واضحة منه صلى الله عليه وسلم بأن الأفراد العدول ذهنيا ونفسيا وإيمانيا وعلميا وأخلاقيا ، المتميزون في تكوينهم وبنيتهم النوعية هم الرواحل الحقيقية القادرة على قيادة وتحقيق الإصلاح والتغيير ، وتؤكد لنا حقائق صعود وهبوط الحضارات عبر التاريخ الانسانى سواء الايدلوجى منها والغير ايدولوجى بأن التحولات النوعية الكبيرة في حياة المجتمعات والأمم تحتاج إلى نوع متميز من الأفراد والقادة القادرين على إعادة البعث الحضاري من جديد في نفوس المجتمعات المهزومة نفسيا وعلميا وحضاريا حتى يبعث فيها الروح والحياة من جديد وتتجاوز إحساسها الداخلي بالدونية والضعف والاستسلام والرضا بالأمر الواقع ، ولتكسر كافة قيود الجهل والتجهيل والتخويف ومعاول الهدم النفسي التى تنحت كل يوم في جبال وصخور قدراتها الذاتية محاولة إضعافها والقضاء عليها ، وهى في سبيلها لإحياء هذا البعث الحضاري تعيد قراءة واكتشاف ذاتها من جديد فتتعرف على مكامن القوة فيها لتحسن تنميتها واستثمارها للتعجيل بصعودها الحضاري المرتقب . أيضا تؤكد لنا سنن الله تعالى في التداول الحضاري وصعود وهبوط الأمم أنه صعود وهبوط ذاتي في حقيقته (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ ) الرعد الآية 11 (ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) الأنفال 53 ( أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) آل عمران الآية 165 ــ ( وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ) الشورى الآية 30 ، مما يؤكد لنا بأهمية إعادة البعث الذاتي نحو النهوض الحضاري وألا نعتمد فيه على احد ، وحقائق التاريخ تؤكد ذلك فلم نرى على مدار التاريخ الإنساني امة من الأمم حررت امة أخرى أو ساعدتها على النهوض أنما وجدنا أمما كثيرة تمكنت من إعادة استثمار الواقع المحلى والاقليمى والعالمي المحيط بها وتوظيفه لخدمة مشروعها الحضاري الخاص بها وهو ما يعرف في عالمنا المعاصر بالقوة الناعمة ، بمعنى توظيف الآخرين مجبرين على ذلك في سياق سلسة من العلاقات والمصالح المتبادلة ، فلا يوجد في العالم مؤسسات دولية أو دولا كبرى أو صغرى تقوم بدو وزارات الشئون الاجتماعية لبقية أفراد المجتمع الدولي ، إنما هي علاقات ومصالح وأوراق قوة وضغط وأدوات فعل وبطبيعة الحال تلك هي سنة الله تعالى في خلقه منذ خلق الخلق وحتى قيام الساعة سنة الصراع الدائم بين الخير والشر ، الحق والباطل لتتمايز الأفراد والمجتمعات والأمم ولتتاح الفرصة للجميع لبذل أقصى ما في وسعه وتقديم أفضل ما لديه ( وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى العَالَمِينَ ) البقرة من الآية251 ـ ( وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) الحج الاية40 ) ( الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا ) الملك الآية 2ــ

هذا ما يجب أن نفهمه ونعلمه لشبابنا وفتياتنا ونؤسس عليها إعادة بعثنا الحضاري من جديد، أما ما يروج له غير ذلك فهو من قبيل أدوات القوة الناعمة الخاصة بتغييب العقل النهضوى لتفكيك البنية النفسية القوية القادرة على أعادة إنتاج البعث الحضاري الجديد ،باختصار هي فيروس فكرى الكتروني لتعطيل وتهنيج العقل وتعطيله عن العمل.

ومن سنن الله تعالى ومن حقائق التاريخ والواقع أيضا أن الشباب دوما هم عدة أي امة للنهوض أي أنهم هم مركز الفعل وأصل الانجاز

في سياق فهمنا الدقيق وإيماننا العميق بهذه السنن في صعود وهبوط الأمم وتداول الحضارات ، ونحن بصدد استكمال بنيتنا التأسيسية وتأهيل واقعنا المجتمعي للصعود والإقلاع الحضاري ليس في الواقع العربي و الاسلامى فحسب بل في الواقع العالمي والتاريخ الانسانى بأسره . حقيقة الأمر أننا في حاجة إلى جيل من نوع جديد يمتلك مقومات نفسية خاصة أكثر طموحا, أكثر جرأة ورغبة في المغامرة والمبادرة وأكثر تحملا للمسئولية واستعداد للبذل والتضحية، يحمل الهم العام ويقدمه على همه الخاص. شباب وفتيات في عمر الزهور التى ما لبثت تتفتح ، ولكنهم كبار في نفوسهم ، عظماء في تطلعاتهم ، متوقدي العقول ، واعيين بتاريخهم وواقعهم ، أحرارا من كل القيود التى تقيد أفكارهم وتطلعاتهم وأعمالهم يمتلكون نفوسا قوية كالجبال الصلبة الشامخة تتعالى وتتجاوز وتصد كل محاولات التيئيس والتحبيط والإلهاء والإقصاء والاستغفال والاستعباط . هذا الجيل الصاعد الواعد الذي يمتلك مقومات بعثه النفسي الجديد من ذاته وإيمانه بالله تعالى ومن ثقته بربه وحبه لوطنه وغيرته على ذاته وعرضه وشرفه وحقوقه وتاريخه وحاضره ومستقبله. هذه المقومات والدعائم كلها من داخل ذاته وملكه هو وحده فقط وليس لاى مخلوق كائنا ما كان حكم أو سيطرة أو قدرة على تقييدها أو تحجيمها . انه شباب مصر ولا فخر ، أنهم شباب وفتيات مصر القادمون من عبق التاريخ الزاهر بحضارة بلغت عنان السماء وامتدت آلاف السنين ، إنهم شباب وفتيات مصر المتطلعون إلى إعادة تسطير صفحات الواقع والمستقبل الانسانى بأزهى آيات العلم والعدل والأمن والرحمة والاستقرار للإنسانية جميعا. إنهم شباب وفتيات الأمة التى جمعت مزيجا نفسيا من أرقي وأسمي المكونات النفسية لأمم وشعوب الأرض جميعها ، مزيجا رباني المصدر نضج بمرور القرون وتجارب التاريخ وتمازج ثقافات الشعوب التى تواص وتعاون معها ، من مسالمة ومسامحة وألفة وود وكرم ووفاء وعطاء وبذل واستعداد للتضحية والفداء والإحساس بالمسئولية عن الآخرين والأبوة والرضا بالقليل والصبر الطويل الجميل والقدرة العالية على التكيف والتعايش مع الواقع بعزة وإباء وكرامة وشرف ، هو ذاته الذي ينتفض ويزأر ويثور على كل من يحاول أن يمس كرامته وحريته وإباؤه ، وإن اغتر البعض بطول صبره ومسامحته وسعة وقوة تحمله . وفى تحديد وإيجاز واضح أذكر نفسي وأحبابي نبضات القلب وحبات العين وأمل الغد من شباب وفتيات الأمة الصاعدين الواعدين بحقيقة مكونهم النفسي الفطري الطبيعي ، الذي توارثوه ونبتوا عليه ، والذي هو في حقيقته يمثل المنظومة النفسية اللازمة لإعادة بعثنا الحضاري من جديد :

ــ الثقة في الله عز وجل و حسن التوكل مع قوة الأخذ بالأسباب ، و الاتزان النفسي، والثبات على الأهداف ، و الشفافية والوضوح والعمل في الفضاء المفتوح ، مع النشاط والحيوية و حب المغامرة في سياق المزج الحكيم بين العاطفية والعقلانية حتى نمتلك الايجابية والقدرة على المبادرة ، والاعتزاز بالذات والتفاؤل والأمل ، فالعفو والتسامح والانفتاح والتواصل مع كافة شركاء الإصلاح ، والهمة العالية و الطموح الكبير والعزيمة والإرادة القوية مع المثابرة والتحدي و الحساسية المتزنة واليقظة والحذر بغير إفراط ولا تفريط في سياق استشعار المراقبة والخوف من الله وعدم الأمان لمكر الله عز وجل ، والإحساس بالأمن في ظل رعاية وولاية الله تعالى وحب وبذل الخير للجميع كانسان بغض النظر عن معتقده وعرقه ــ القوة النفسية والحضور الشخصي و الجدية والالتزام مع حسن تلقى النقد وإدارة واستثمار الخلاف وتراكم وتكامل وتلاقح الأفكار والمعارف والخبرات في سياق القابلية والاستعداد البالغ للتوجيه والتعلم . وستجدون ذلك واضحا جليا في كتابكم المقدس كتاب الإنسانية جميعا حين تتلون وتتدبرون آياته بقلب المؤمن الواثق، والمهني المحترف الباحث المبدع.

Comments


bottom of page