التكوين الثقافي للفرد هو البنية المعرفية والخبراتية التي يمتلكها الفرد و،التي تشكلت عبر العديد من الوسائل والأدوات المعرفية سواء التعليم أو الإعلام أو عبر الوراثة التلقائية من أسرته وبيئته ومجتمعه ، وبطبيعة الحال تمثل المعيار و الأداة الحقيقية لما يمكن أن يقوم به وينجزه هذا الفرد . كما أن الثقافة في ذاتها كمصطلح تعنى إلمام بعض الشيء عن كل شيء ، والمصطلح على عموميته وسعته يحتاج منا إلى توضيح وتحديد وتوجيه فيما يتعلق بشبابنا وفتياتنا ، خاصة وأننا نعيش مرحلة تحول إلى مدرج الصعود الحضاري تستوجب منا الاستثمار الأمثل لمواردنا ووقتنا ومعارفنا وتحويلها إلى قدرات وطاقات فاعلة للإنتاج والانجاز والتنمية ، كما أننا بصدد التعريف بالسمات والأدوات الأساسية اللازمة لشباب وفتيات المستقبل القادرين على العمل والانجاز في الواقع المعاصر والإسهام بنصيب وافر في تحقيق التنمية والنهوض لعالمنا العربي والإسلامي . وسنجاوب هنا على سؤالين : السؤال الأول : ما هو التكوين الثقافي الأمثل للشاب والفتاة المسلمة المعاصرة في مطلع القرن 21؟ السؤال الثاني: كيف نحقق ونعزز هذا التكوين بشكل مستمر؟ لابد ان نعلم أولا ان الثقافة التي يمتلكها الفرد هي المصدر الاساسى لما يصدر عنه من مشاعر وعواطف وأقوال وأفعال وانجازات ، أي أنها الأداة الرئيسة التي تحدد قدرته على العمل والانجاز ، هذا المكون الثقافي في حقيقته جزء منه موروث تلقائيا والآخر مكتسب ، وكلما كان هذا التكوين الثقافي هادفا ومنظما ومتوازنا في تكوينه كلما كان الفرد أكثر قدرة على انجاز مهام نوعية كثيرة في الحياة ، والعكس بالعكس كلما كان عفويا وعشوائيا وغير متوازن كلما كانت نسبة الهدر فيه كبيرة كما يكون ضعيفا أو غير مناسب ومن ثم قدرته على العمل والانجاز في الحياة تكن محدودة. ولضمان تحقيق شروط جودة الثقافة المعاصرة التي تتطلب الشمول التوازن والتهديف والتجدد المستمر ، يمكننا ان نرسم الملامح الكلية لثقافة المسلم المعاصر في ثلاثة محاور أساسية:
المحور الأول هو المكون الثقافي الشرعي والمتمثل في المعرفة بأهم الأشياء المطلوبة من فروع العلوم الشرعية بما يكفل له عبادة ربه بطريقة صحيحة ومثمرة ، ويعينه على الالتزام بأحكام وتشريعات الإسلام التي يتعاطى معها في حياته بشكل يومي وذلك بحكم الشرع يعد من الواجب الذي يجب معرفته وفهمه، وما دون ذلك يمكن الرجوع فيه لأهل العلم والتخصص عند الحاجة إليه .
والمحور الثاني هو الثقافة المهنية التخصصية لمجال تخصصه وعمله الذي يمتهنه سواء أكان طبا أو إدارة أو محاسبة أو زراعة أو إعلام ...الخ والذي يجب ان يبلغ فيه درجة الاحتراف ويحافظ عليها بشكل مستمر حتى يتمكن من تقديم أفضل الأعمال والإنجازات لخدمت مجال العمل والمساهمة في تطويره وتفعيله بما يخدم الإنسانية كلها وحتما سيعود على مؤسسته ومجتمعه وأمته بالخير ويساهم بحصة ما في حل مشاكل المهنة وتطويرها بشكل مستمر ، ويد ذلك من الفروض الدينية خاصة في حالة تخلف وضعف الأمة . ويتطلب ذلك منه عدم الاكتفاء بما تعلمه في مقاعد الدراسة عن هذا العلم بل مواصلة التعلم والتدريب والتأهيل التخصصي في هذا المجال حتى آخر لحظة من العمر ومتابعة كل جديد فى مجال المهنة والتخصص من أبحاث وإصدارات ومؤتمرات ونشرات ومواقع متخصصة والتواصل مع خبراء ومستشاري المجال .... الخ. وحتما سيمكن هذا شباب وفتيات النهضة من إنتاج أفكار وتصورات إبداعية وابتكاريه يمكن ترجمتها بشكل طبيعي في مشروعات تنموية تتم على كافة المستويات بداية من مستوى الفرد أو فريق عمل في شارع أو حي ،أوفى وحدة أو قسم في مؤسسة ،أو مؤسسة بذاتها بما يخدم مشروع تنمية ونهضة الأمة.
والمحور الثالث هو الثقافة الحياتية العامة والتي ترتبط بالتوجهات والميول والاهتمامات والقضايا التي تشغل المجتمع ( اجتماعية ، ثقافية ، فنية ، رياضية ، سياسية ....الخ )
وما تحتاجه من ثقافة يمتلكها الفرد كلما اتسعت وتعمقت عززت من قدرته على فهم حقيقة وأبعاد ما يدور حوله ومن ثم مشاركته الفاعلة في الحياة العامة .
ولا يفوتني هنا ان أشير إلى شيء من الانحراف الفكري في هذا الجانب قد يميل البعض إليه بحكم العاطفة الدينية الغالبة على شعوب منطقتنا وخاصة عندما يعززه شيئ من التراث ( مما يؤكد رغبتنا الملحة في إعادة قراءة وتنقيح التراث ) وذلك ما ذكره الشيخ محمد الغزالي وعلق عليه بنفسه حين قال : إن من موازيننا الباطلة أننا نصف علوم الشريعة بالشرف ونكاد نصف علوم الحياة الأخرى بالهوان مع أن هذه المعارف كلها سواء في الدلالة على الله تعالى وخدمة دينه . حين يعيد البعض تكرار وإعلاء هذه الأبيات وما تحتويها من معاني تكريس العزلة : ( كل العلوم سوى القرآن مشغلة .... إلا الحديث والفقه في الدين .... العلم ما كان فيه حدثنا ... وما سوى ذلك فوسواس من الشيطان ) أحبائي شباب المستقبل المنشود ... العلم في الكتاب علمان علم الكتاب ــ علم التوحيد من عقائد وعبادات ومعاملات ...الخ ، وعلم أشار إليه الكتاب وهو كل ما ورد في شئون الحياة في صورة ( الندب للعلم ـ إشارات ــ مفاتيح ـ دعوة للتفكر ــ أوامر وتكليفات ... ) في شتى شئون الحياة ، وقد بوبها العلم لحديث إلى علوم إنسانية ( تربية ، اجتماع ، سياسة ، اقتصاد ، إدارة ) ، و علوم الكون ( فضاء ، فزياء ، كيمياء ...) بالإضافة إلى علوم العقل ( التفكير ، المنطق ، الفلسفة ، الرياضيات ، مناهج البحث العلمي ، الكمبيوتر ... ) ونحن فى حاجة ماسة الى كل هذه العلوم وتشتد حاجتنا التنموية والنهضة إلى متخصصين بارزين في كل مجال من هذه المجالات وذلك لأن لان كل هذه العلوم تعرف بالله تعالى وتعزز الإيمان به ، و بها تتطور وتتحدث وتتحسن حركة الحياة وينعم الخلق بالاستقرار والأمان والسعادة ، وبها يقام ويحفظ التوحيد وتصان حدود الله تعالى ، كما أنها لا تقوم وتستمر إلا على أعمدة وروافع وحماية من علوم وأدوات القوة في الحياة ، فلابد للحق من قوة تحميه وتدافع عنه وتعزز وجوده في الحياة فالمسلم لابد أن يعيش موحدا عابدا لله كريما قويا عزيزا قادرا على حماية دينه ومقدساته وماله وأرضه وعرضه ومستقبله ولا يتحقق ذلك إلا بامتلاك علوم الشريعة وأحدث علوم الحياة ويوم ان نزور شبابنا وفتياتنا في مكتباتهم الخاصة نجد فيها قسما للعلوم الدينية وقسما آخر للعلوم الإنسانية والكونية المرتبطة بمجال التخصص والمهنة ، كما نجد فيها النشرات والإصدارات ذات التواريخ الحديثة المتجددة ، وقسما ثالثا متنوعا لكافة علوم وثقافات الحياة من إدارة وإعلام ورياضة وسياسة وفن ... الخ ، ساعتها نستبشر خيرا كثيرا لأننا نكون في زيارة لشاب محافظ على تراثه ومواكبا لعصره يستحق منا كل الاحترام والتقدير والحب والأمل الحقيقي في انه سيقودنا حتما إلى التنمية والنهوض والعزة والكرامة التي ننشدها لأوطاننا وللإنسانية جميعا .
Комментарии