top of page
صورة الكاتبالدكتور إبراهيم الديب

التدبر قيمة حضارية لازمة يتعلمها كل الناس

تاريخ التحديث: ٨ مايو ٢٠٢٢

التدبر في ذاته قيمة حضارية كبرى، وقيمة وظيفية استراتيجية، وقيمة تربوية بنائية، لذلك أعده لازما لكل مواطن مسلم وغير مسلم، لذلك أتمناه وأتطلع وأعمل أن يكون مادة دراسية في التعليم الأساسي لكل الطلاب، لما يحققه من فوائد ذهنية وتربوية ووجدانية ونفسية واجتماعية تعمل على بناء المواطن القوي الفاعل في خدمته نفسه وأسرته ومؤسسته وناديه وحزبه ووطنه، والناس كافة، كل الناس على اختلافهم وتنوعهم بواقعية عملية وبساطة ويسر كبير، شرط أن تتوفر أدواته ومهاراته المقننة علميا، والتي يتم نشرها وتعليمها للناس كافة وخاصة المعلمين والمربين. والحمد لله تم تصميمها، وتتبعها مناهج لتعليم التفكير بتدبر القرآن.. تعالوا معي نتبين ذلك منطقيا.


يعد التدبر أحد أهم تجليات الكرامة الإنسانية التي منحها الله تعالى للإنسان
يعد التدبر أحد أهم تجليات الكرامة الإنسانية التي منحها الله تعالى للإنسان

مصطلح التدبر ودلالته في القرآن الكريم مصطلح التدبر يجمع ثلاثة معاني متحدة مع بعضها في آن واحد: التفكر: استخدام مهارات وطرق التفكير المختلفة في آيات القرآن للبحث في حقائقه ومعانيه, يُقصد بها 24 مهارة تفكير بسيطة ومركبة، محملة بالفطرة على العقل البشري لكل إنسان، بعضها مستغل وبعضها مهمل معرض للضمور بسبب عدم الاستخدام والتنمية، وما يمكن أن تصنعه هذه المهارات من مناهج تفكير توصل إليها الفكر البشري. إمعان النظر: التمهل وإعادة التفكر وصولا إلى إدراك معانيه، والاستمرار في النظر وصولا إلى فهم واستيعاب حقائق الآيات ومراد الله تعالى فيها للإنسان. امتداد النظر والبحث: في أسباب وتفاعلات ونتائج ومآلات الآيات الجزئية ثم الكلية، وصولا لأفكار كلية كبرى يبلغها أولو الألباب. إذن هو عملية عقلية وإيمانية بحثية هادفة: عقلية تمارس بالعقل، وإيمانية ترتكز على أن القرآن كلام الله تعالى الحقيقة المطلقة، وأنه كتاب مكنون بالكنوز المعرفية التي يمكن فتحها والوصول إليها، وبحثية تمارس بأدوات ومناهج علمية بعقلية الباحث المكتشف، وهادفة لإنتاج مفاهيم وحلول محددة في حال البحث الموضوعي، وعامة متنوعة في حال البحث المفتوح. ولغير المسلم، غير المؤمن به ككتاب سماوي، فليتدبره بعقل علمي مجرد ويكتشف بنفسه مكنوناته المعرفية، ويختبرها ويحكمها علميا في التخصصات الإنسانية والكونية المختلفة ليتبين حقيقتها، وهل تبلغ العلم أم لا، ثم يبحث في أنساق المفاهيم التي يقدمها القرآن في المجالات العلمية والحياتية المختلفة، ثم نسقها الكلي العام، ويتبين مدى فائدتها للإنسان والبشرية والحياة والكون، ليتبين بنفسه هل هذا الكلام وهذا الفكر بشري عادي، أم أنه كلام معجز لا يستطيعه إلا الله، ثم يطرح علينا رأيه. وعلامة ومؤشر تحقق التدبر هو: إنتاج المتدبر لتصورات ومفاهيم وتطبيقات جديدة موضوعية محددة أو مفتوحة متنوعة بحسب هدف المتدبر، يمكن أن ينسج منها حلولا ومبادرات لمجابهة تحديات ومشاكل الواقع، وتلبية تطلعات الواقع. لذلك يجب أن يتعلمه ويمارسه كل إنسان وكل مسلم في بدايات مراحل التعليم الأساسي. ويعد التدبر أحد أهم تجليات الكرامة الإنسانية التي منحها الله تعالى للإنسان حين قال تعالى: "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً" (الإسراء: 70)، ومنحه وميّزه عن بقية المخلوقات بنعمة العقل، ودعاه وحثه على حسن وجودة إعمال وتفعيل عقله بأشكال وصيغ متعددة ومتنوعة تتضمن نداءات: "أفلا يعقلون"، "أفلا يتفكرون"، "لعلكم تتفكرون"، "لعلكم تعقلون". ووردت مشتقات "العقل" في القرآن الكريم (49 مرة)، كما وردت مشتقات الفكر فيه (18 مرة)، ثم كان التحذير والتخويف المرعب من عاقبة تعطيل العقل عن أداء وظيفته الفارقة في حياة الخلق جميعا والإنسان خاصة، في الآية الكريمة: "وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ ۖ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا ۚ أُولَٰئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ" (الأعراف: 179)، ثم كانت الدعوة القرآنية المباشرة بلفظ تدبر القرآن في أربعة مواضع وبمنظومة معان متكامة: 1- "كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ" (ص: 29). والمعنى هنا هو أن حكمة نزول القرآن هي وجوب تدبره بالتفكر والتأمل في حقائقه ومعانيه والتعرف على مراد الرب من الآيات، وكلما ازداد المتدبر تدبرا انكشفت له معان جديدة لم تكن بادية له بادئ النظر. 2- "أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الأَوَّلِينَ" (المؤمنون: 68). والمعنى هنا: هلاّ تدبروا القرآن وتبينوا وتعلموا حقائقه وهدايته وآمنوا به، ويبين سبب إعراضهم عن تدبره، إنما هو لعصبية قومية وعرقية وقبلية جاهلية مفادها أن قومهم لم يأتهم مثل ما جاءهم به محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه أمر جديد وغير مسبوق لم يكن في آبائهم الأولين. وفي الآية معنى مفهوم من المنطوق، وهو الإشارة إلى ذم الانغلاق والجمود الثقافي والفكري الزمني، وبطبيعة المنطق ذم الجمود والانغلاق الثقافي والفكري الآني، والدعوة المفتوحة إلى الانفتاح على الثقافات البشرية باستمرار والاستفادة منها. كما أن هنا معنى مفهوم من المنطوق أيضا، وهو أن قليل المعرفة ضعيف الحجة عندما يكون ضيق النفس يدفعه ذلك إلى الانغلاق الثقافي والفكري مخافة الهزيمة، بينما يسارع قوي المعرفة والحجة بثقافته وفكره، إلى الانفتاح على الثقافات والأفكار المتجددة لفهمها والاستفادة منها بما يناسبه ويحتاجه. 3- "أفلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً" (النساء: 82). والمعنى هنا سؤال فيه استنكار وتحدٍ وتحفيز، استنكار لتباطؤهم عن تدبر حقائق القرآن وتحديهم بتحفيزهم لتدبره وبيان حقائقه، والتأكد من تناسق معانيه وعدم وجود تناقض وتباين في معانيه، وأنها جاءت في نسق فرعي وكلي محكم، وكلما ازددت تدبرا تبينت حقائق هذا الإحكام والإعجاز الإلهي الذي يبين ويؤكد أنه وحي من الله تعالى. 4- "أفلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا" (محمد: 24). والمعنى هنا سؤال فيه تعجب واستنكار للتلكؤ والتأخر والإعراض عن تدبر القرآن وبيان حقائقه، والإيمان به والاستفادة منه وهدايته، والفوز بهدايته في الدنيا والآخرة، مع بيان لنتائج ذلك والتخويف من مغبة الوصول إلى ظلام القلوب وإقفالها، وتعطل قدرتها على تلقي وفهم حقائق القرآن ببناء أسوار ومغاليق وأقفال ذاتية، من الذنوب والمعاصي والإهمال والتأخر عن تدبر القرآن.

التدبر هو عملية عقلية وإيمانية بحثية هادفة عقلية تمارس بالعقل، وإيمانية ترتكز على أن القرآن كلام الله تعالى الحقيقة المطلقة، وأنه كتاب مكنون بالكنوز المعرفية التي يمكن فتحها والوصول إليها، وبحثية تمارس بأدوات ومناهج علمية بعقلية الباحث المكتشف، وهادفة لإنتاج مفاهيم وحلول محددة في حال البحث الموضوعي، وعامة متنوعة في حال البحث المفتوح.


التدبر في ذاته قيمة حضارية كبرى، وقيمة وظيفية استراتيجية، وقيمة تربوية بنائية 1- التدبر في ذاته قيمة حضارية لأنه: أ- مجموعة من العمليات العقلية البسيطة والمركبة، الفعالة في تدريب وتنمية العقل على التفكير. ب- عملية علمية تتم وفق مناهج تفكير منهجية منتظمة. ج- عملية عقلية ذات أبعاد علمية ونفسية وتربوية بالغة الفاعلية في النفس الإنسانية. 2- التدبر في ذاته قيمة وظيفية استراتيجية لأنه: أ- يفتح مكنون القرآن الكريم من كنوز المفاهيم والمعارف. ب- يعلّم الإنسان التفكير بطريقة عملية سهلة وممتعة وميسورة لكل إنسان. ج- يمنح الإنسان القدرة الذاتية على إنتاح المعرفة وتحكيمها بطريقة عملية سهلة ومتنوعة الطرق. 3- التدبر في ذاته قيمة تربوية بنائية لأنه: أ- يمكن الإنسان من القناعة وفهم واستيعاب معتقدات وقيم ومفاهيم الإسلام. ب- يحفز ويأخذ بيد الإنسان نحو تحسين سلوكه وأدائه وإنجازه في الحياة بشكل عملي متنوع الأدوات. ج- يربط النفس الإنسانية بالصفات الربانية وأخلاق الرسل والأنبياء والمصلحين عبر تاريخ الهداية الإنسانية. يوما ما، وإنه لقريب إن شاء الله، ستكون هناك مادة مقررة في مناهجنا الدراسية العربية والأجنبية لتعليم عشرين مهارة لتدبر القرآن الكريم، ومادة أخرى لتعليم مهارات التفكير (24 مهارة بسيطة ومركبة)، ومناهج التفكير (ستة مناهج تفكير أساسية) بتدبر القرآن الكريم لبناء العقل الكبير الواعي المفتوح على كل الثقافات، المفكر المبتكر القادر على استيعاب كل العلوم والتكنولوجيا الحديثة، وإنتاج المعرفة المتجددة.


Comentarios


bottom of page