top of page
صورة الكاتبالدكتور إبراهيم الديب

التحليل القيمي والأخلاقي لفيلم خيانة مشروعة


حتى لا نكون أشبه بمن يبنى على سطح الماء ، فيصدق فيه المثل المصرى

( ينفخ فى قربة مقطوعة ) وبحكم عملى واهتمامى بتخطيط وبناء القيم والمحافظة على هويتنا الخاصة واستثمارها فى إعادة بناء وتأهيل ذاتنا للوفاء بإستحقاقات التنمية والنهوض من جديد

وليقينى بأن عملية بناء القيم الايجابية يقابلها عملية تفكيك واهدار وهدم مخططة ومنظمة وبشكل دقيق ، وتوظف له أكثر الادوات تأثيرا فى نفوس مجتماعتنا العربية وخاصة الشعب المصرى الذى عرف عنه حبه وولعه الشديد بالدراما والمسلسلات والسينما ، بل إنها تعد أحد المكونات الاساسية لوجدانه لسهولة تسربها إلى نفسه خاصة إذا صيغت بمهنية وحرفية عالية تدرك أبعاد ومفاتيح الشخصية العربية .


مشروعية الخيانة : ومحاولة تبسيط وتجميل وتقنين الخيانة فى العرض ، والمال والامانة والمهنة ، حتى تصبح شيئا عاديا فى المجتمع.
مشروعية الخيانة : ومحاولة تبسيط وتجميل وتقنين الخيانة فى العرض ، والمال والامانة والمهنة ، حتى تصبح شيئا عاديا فى المجتمع.


بطبيعة الحال الدراما والمسلسلات والسينما تعد أحد أهم أدوات الاعلام ــ أى فى عالمنا المعاصر اول وسائل التوعية والتثقيف والتربية والتى اصبحت تأتى فىالمقدمة قبل المدرسة ولمنزل ، وبطبيعة الحال هى أداة قد تقدم الحسن فنشكرها ونكرمها عليه ، وقد تقدم السيئ بغير قصد او عن قصد لذا وجب التعاطى معها وتحليلها وبيان حقيقة ما يقدم من باب النصح للعاملين فيها ، وتحديدا فىالعمل الذى نتناوله بالتحليل ، ومن باب التوعية والتحذير للجمهور العربي الحبيب .

من هذا المنطلق قررت التعاطي مع هذه الوسيلة وتحليها بعدسة قيمية تنقب عما

يتم من عمليات تفكيك وتشويه وإهدار للقيم والثوابت الدينية والاخلاقية ، وما يتم تمريره من مفاهيم وقيم بديلة يراد لها ان تبنى وتعزز فى وجدان وسلوك المجتمع ،

واعترف بالفعل قد نجحت لحد غير قليل وأتت نتائجها السلبية فى شريحة كبيرة من المجتمع ، وليسامحنا الله تعالى على تأخرنا ، وتقصيرنا.

أبدأ بأول فيلم استفزنى عنوانه من البداية ( خيانة مشروعة ) وهو للمخرج الذى خطط له ان يكون وريثا لإبداع وعالمية يوسف شاهين وليكمل مسيرته الفنية !!.

عنوان الفيلم بالغ الاستفزاز حيث يبيبن بل ويلح ويؤكد فى الفيلم فى أكثر من موقف وعلى أكثر من لسان وفى مواقف عاطفية مؤثرة تحاول دغدغة عواطف المشاهدين لتقدم مفهوما جديدا للخيانة بأنها مبررة ولها اسبابها بل ومشروعة .

بطبيعة الحال أضطررت لمشاهدة الفيلم أكثر من مرة لأقف بدقة مع السطور وابحث فيما بينها وما خلفها وما تريد توصيله من رسائل للجمهور

وسوف أعرض هاهنا أهم القيم والثوابت التي عمل الفيلم على تفكيكها ، وكذلك القيم البديلة التى يريد بنائها وتعزيزها وتمكينها فى نفوس الجمهور لتكتشفوا بعدها حجم وخطورة ما يقدم للجمهور العربي من القيم التي يراد تفكيكها واهدارها لتتحول الى شىء عادى يمارسه المجتمع ويتعايش معه ببساطة


1ــ قيمة العرض والشرف ــ فى الفتيات التى يهدرن شرفهن مقابل المال ، مع ملاحظة تقديم الحل بالاعلان عبر الفيلم عن عمليات الترقيع الناجحة ، و الاخ الذى يعترف ويرضى ويتعايش مع عمل اخته بالدعارة لتنفق عليه وعلى اسرته

2 ــ قيمة الكسب الحلال ــ حيث ربط الفيلم بين الكسب والثراء السريع وما يتعنيه من حياة مرفهة بكل تفاصيلها وبين ضرورة الكسب الحرام ، فلا طريق غيره !

والأب الكبير العصامي الذي بدأ معدما مدافعا عن حقوق الفقراء وتحول الى رجل اعمال ناجح وذو قيمة كبيرة فىالدولة بالكسب الحرام .

3 ــ قيمة الرجولة والشهامة ــ والتى شوهت وقدمت بطريقة مغايرة تماما حيث

يقف ابناء الحى الواحد ، واصدقاء الطفولة مع بعضهم فى عمل أشياء غير مشروعة قانونا وشرعا.

4 ــ قيمة احترام واعلاء القانون والمحافظة عليه ــ فبسهولة وتلقائية تامة يتخلى اصحاب الشركات وضباط الشرط ووكلاء النيابة والصحفيون عن ضميرهم وعهدهم وأمانتهم المهنية مقابل حفنة من المال يربون بها أبناءهم ، وكأن المجتمع كله بلا ضمير ويبيع ضميره وذمته ليستعين على ضيق العيش

5 ــ تبرير الخطأ والسقوط في الرذيلة فالإنفاق على الأسرة وعلاج الاب المريض يبرر العمل بالدعارة ، والغش التجارى لتحقيق الربح وتوفير الحياة الكريمة ، والقتل للتخلص من عقوبة السجن .

6 ــ قيمة الاسرة ، والحب والترابط بين افرادها ــ حيث يتصارع الابناء ويقتل بعضهم بعض من اجل المال .


القيم السلبية البديلة التى حاول الفيلم تقديمها للجمهور:

1 ــ مشروعية الخيانة : ومحاولة تبسيط وتجميل وتقنين الخيانة فى العرض ، والمال والامانة والمهنة ، حتى تصبح شيئا عاديا فى المجتمع.

2 ــ قيمة احتراف الانحراف : على امكانية نجاح الانحراف وجنى ثماره بلا عقوبات لو تم بحرفية عالية ، فى سلوك الابن المنحرف وبطلة الفيلم الخارقة في التخطيط والتدبير والتنفيذ واللذان يمران من كل مشكلة بسهولة وببساطة شديدة .

3 ــ قيمة المرأة اللعوب المنحرفة وقدرتها على استغلال إغرائها في الحرام لضمان الحياة الكريمة الهانئة ، على حساب الحياء والحشمة والاحترام والالتزام بالفضيلة

4 ــ مفهوم وقيمة حتمية تجاوز القانون من قبال رجال الشرطة واستخدام العنف من المواطن المتهم حتى تثبت براءته ــوالتى تظهر فى فشل رئيس المباحث فى فك شفرة القضية إلا عن طريق إختطاف احد اصدقاء المتهمة وتعريضه للتعذيب المتنوع حى اقر بمعلومات كانت المفتاح الأساسى لحل القضية .

5 ــ قيمة الاحترام لقيمة الانسان القوى واستباحة قيمة وسحق الانسان الضعيف ـ

حيث لم يتمكن رئيس المباحث من التحقيق مع المجرم القوى صاحب النفوذ والسطوة ، بينما يختطف الانسان الضعيف من الشارع ويعتقله لفترة ويعذبه دون اية اجراءات

قانونية .


خطورة الامر فى ان تمرير هذه المفاهيم والقيم على عقول الابناء والجيل القادم ومع تكرارها وتقديمها على انها واقع فى المجتمع ، تحدث أثرها وتفكك القيمة وتنزع من نفوس المجتمع رويدا رويدا ... لا قدر الله .

لاشك أنها وجبة دسمة من العفن الاخلاقى سيتغذى منها ابناءنا وبناتنا لتتبدل قيمهم وتتغير سلوكايتهم بشكل سريع كما نتابع ونشكو منه كل يوم وساعة.

فما بالك إن قدم لنا هؤلاء العاملون في الفيلم على أنهم مبدعون وأبطال ويكرمون ويحتفى بهم ، من باب تعزيز وتمكين ما يقدمونه من عفن وجراثيم وأوبئة .

لعلنا من خلال هذه المحاولة للتحليل القيمى للفيلم قد تعرفنا على بعض أسباب التدهور الأخلاقي السريع لمجتمعاتنا.

وهنا اطرح عدد من الاسئلة على فريق عمل الفيلم لعل فى التفكير فى الاجابة عليها

ما يساعدهم على مراجعة وتقييم ما يقومون به ويقدمونه للجمهور

س1 : هل كل رجال الاعمال غير شرفاء ؟ ولا يوجد من بينهم من كون ثروته

بالحلال؟

س2 : هل جل نساء المجتمع يتاجرن فى اعراضهن لمن يدفع أكثر؟

ام انهن إستثناء وحفنة قليلة جدا على هامش المجتمع ؟

س3 : فى اى عرف او قانون أو شريعة قننت وشرعت الخيانة ؟

س4 : ما هى الاستفادات التى قدمها الفيلم للجمهور؟

وما هى المكاسب التى كان سيفقدها الجمهور لو لم يتم انتاج هذا الفيلم. ؟


ألا توجد نماذج واقعية محترمة يمكن تناولها ، وإذا كنتم تدعون ان هذه هى سينما الواقع فالمشكلة ليست فى الواقع العام ولكنها فى الواقع الخاص الذى تتصورونه أنتم فقط .


תגובות


bottom of page