تعمدت معالجة مفهوم الأمل معالجة عقلية وعلمية مجردة، كأساس يستخدم بعد ذلك لفهم حقائق الأمل في القرآن الكريم والسنة المطهرة فهما صحيحا عمليا فاعلا، غير تواكلي ولا صوفي مزيف، ولا ديني موظف سياسيا للتخدير، ولا ديني مزيف لفئة العجزة والضعفاء في نفوسهم. وكل هؤلاء دعاة للخروج من الحياة وتركها لغيرهم ولا علاقة لهم بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، أما الأمل فهو صانع للحياة وواضع أهله المؤمنين المتدينين الحقيقيين في قلب صناعة أحداث ونتائج وإنجازات الحياة، وفي مقدمتها وعلى رأسها وبحقها، فكيف يكون مستخلفا في الأرض لعمارتها إلا بالأمل؟
تعريف الأمل:
الأمل هو مجموعة أفكار عقلية موثقة وشبه مؤكدة لصاحبها، تسيطر على العقل، تترجم وتخرج للعيان في شكل:
1- ثقة في الذات، وإيمان عميق بالرسالة والهدف في الحياة، وفهم لقوانين الحياة، وامتلاك لأدواتها وإدراك لمعطيات الواقع، وامتلاك لمخطط مكتوب.
2- شعور عاطفي نحو الأفضل القادم، يتفاءل به الإنسان.
3- رجاء وتطلع لنتائج إيجابية، حتى وإن كانت تلك النتائج الإيجابية صعبة أو مستحيلة الحدوث.
4- التعلق بالخيار الأفضل الواجب تحققه في ظل المدخلات التي تم تقديمها.
أهمية التفاؤل في حياة الإنسان:
للأمل أدوار وظيفية مهمة جدا في حياة الإنسان، حتى إن علماء الطب، سواء على مستوى الطب الإكلينيكي أو الطب النفسي، أجمعوا على أنه لا يمكن للإنسان أن يعيش بدون أمل، وكلما زاد الأمل والتفاؤل تحسنت حالة الإنسان النفسية والبدنية، وقد يفضي غياب الأمل إلى أمراض نفسية وبدنية تودي بحياة الإنسان.
ومن أهم أهدأف الأمل:
1- حب الحياة، وتأكيد دور الإنسان الشخصي والمهني والإبداعي فيها، وحاجة الحياة إليه وإلى جهوده وإنجازاته وحاجته هو إلى الحياة.
2- المحافظة على الواقعية، واستمرار معايشة الإنسان لعالم الواقع والأسباب، وحمايته من الوقوع فريسة للخيالات والأوهام، التي قد يضطر إلى النزوع إليها لأسباب داخلية وخارجية عديدة.
3- تأكيد الحلم وتقوية العزم الذي يضعف، وشد الهمة التي ترتخي أحيانا، وتعزيز التصبر الذي يَهِنُ أحيانا، وحماية الجلَد الذي قد يرق أحيانا، وذلك لطبيعة الإنسان وفطرته.
3- تفجير القوى الكامنة في نفس الإنسان، حيث يعد الأمل هو المعنى الأساسي المفجر لمواهب وملكات وقدرات البشر، وتحويلهم من مواهب مدفونة غير مرئية إلى حالات إبداعية نافعة للحياة ومحل تقدير واحترام وإجلال الجميع.
4- الأمل هو نافذة النور الأمامية التي تثبت لك بوصلة التحرك، وتؤكد لك وجود الهدف على مرمى البصر، وتضيء لك الطريق إليه، والتي تكون رقيقة، ولكنها نفّاذة جدا، خاصة كلما زاد الظلام واشتدت العتمة.
5- الأمل هو الماء الذي يطفئ نار التحديات، لذلك فهو القوة الذاتية الخاصة لمجابهة المهام الصعبة ومغالبة التحديات الطبيعية، والصناعية التي يصنعها البشر بعضهم لبعض، لإعاقتهم عن تحقيق أهدافهم المتنوعة في الحياة، فلا حياة بدون تحديات.
كيف نحافظ على الأمل؟
1- بتعلق القلب بالله تعالى القادر على كل شيء، وتجريد وإفراد الوجهة إليه جل في علاه، والعمل عنده فقط وله، وبه ومن أجل رضاه وحبه وحده لا شريك له، والاكتفاء والغنى به عما سواه.
2- امتلاك هدف محدد، مقسم على مراحل، وموزع على جدول زمني قابل للتحقيق، دافع بعضه بعضا، كلما انتهت درجة صعدت إلى الدرجة التالية.
3- الأخذ بالأسباب والأدوات العلمية، وقوانين العقل والمنطق والعلم والحياة المنظمة لحركة الكون والعالم والدولة والمجتمع.
4- مصاحبة الأخيار أصحاب النفوس الكبيرة والهمم والعزائم العالية في تاريخنا العظيم، كن صديقا لأبي بكر الصديق فتتعلم منه الإيمان والعطاء، وصادق عمر بن الخطاب فتتعلم منه الشجاعة والقوة في الحق والعدل والحكمة والقيادة والإدارة، وصادق أبا عبيدة فتتعلم منه المسؤولية والأمانة، وصاحب صلاح الدين فتتعلم منه الأمل والتخطيط والعمل، وصاحب الظاهر بيبرس فتتعلم منه الأمل والتحدي والجدية والجهاد وسعة الحيلة وطول التخطيط والعمل والإنجاز، وهكذا كلما وجدت عَلَما وناجحا من حولك، لا بد أن تتعلم منه أفضل ما لديه، وتحمد الله تعالى أن رزقك معاينته ومصاحبته في الدنيا.
كن صديقا لبيل جيتس، وستيف جوبز، ومحمد صلاح ورونادوا.. إلخ من عشرات ومئات أصحاب قصص النجاح الفردي، وبيبرس وصلاح الدين ونور الدين زنكي، ومهاتير وأوردغان.. إلخ من عشرات القادة أصحاب قصص النجاح لأوطانهم وأمتهم.
5- طهر بصرك وسمعك وعقلك وروحك من البؤساء المحبطين - بضم الميم وكسر الباء - فإنهم قمامة البشر ونتن الحياة.. اهجرهم جغرافيا وزمانيا ونفسيا وذهنيا. عافانا الله تعالى منهم ومن آثارهم، حتى وإن تخفّوا وارتدوا زي الدين.
6- تذكر محطات ولحظات الإنجاز في تاريخنا الإسلامي العظيم، ومحطات الإنجاز الخاصة بك، وإن كانت قليلة ونادرة، فالقادم هو الكثير والكبير.
7- النظر العميق في علو وتسيد وزهو وطغيان الباطل، وملء القلب غيرة على دين الله تعالى وعلى الحق وأصحاب الحق من الصالحين المصلحين، وكيف أنتزع لهم حقهم، وترجم ذلك إلى شحنة غضب وعناد وتحد وإصرار كبيرة في الله تعالى وبالله تعالى ولله تعالى، وعاهد ربك واقسم به وعليه جل في علاه، وعلى نفسك ألا تأكل إلا لتتقوى لذلك، وأن تعمل ولا تنام إلا غلابا، وألا يرتاح لك بال حتى تسترد حق الله تعالى وحق شعبك ووطنك.
8- انظر مليا في أحوال المظلومين والزوجات الأرامل، ومن لهم، ستجد على نفسك مسؤولية وحملا كبيرا، لا يمكن معه إلا استمرار الأمل والعمل.
9- انظر في أحوال بلدك وما آلت إليه، وحتمية وضرورة عودتها لأفضل وأقوى مما كانت، وما يجب أن تكون عليه وما يستحقه شعبه، عندها لن تجد أمامك إلا الأمل والعمل.
10- توجيه النظر والاهتمام والتواصل مع من فهم وساعد ودعم، وغض الطرف عمن عاند وتعالى وتكبّر وأهمل وهرب وخان.
11- النظر في ما تحقق من إنجازات وإن كانت في قاع الكوب، فهي الدليل أنه يمتلئ وسيكتمل.
صناعة الأمل وإنتاجه ذاتيا بين الحصار وتحت القصف
السؤال الأهم والأصعب والأكثر واقعية وعملية، وأشد حاجة، هو كيف تصنع الأمل لنفسك من داخل نفسك عندما يهجم عليك دخان وسحاب اليأس والإحباط والكفر من كل جانب؟
عندها لا بد أن تدرك أنه دخان وسحاب وبطبيعة تكوينه سيمر، وهذا المرور داخل نفسك لن يحتاج إلا لبضع ثوان ودقائق فقط، لا تستنشقه، ولا تنظر فيه، ولكن أسرع الخطا في عكس اتجاهه حتى تخترقه في أقل من الثانية، وتحافظ على قدرتك الذاتية لصناعة الأمل وتصديره لكل من حولك.
- تحاصر فتزداد حيلة وأملا
- تتهم زوا وبهتانا فتزداد ثقة وأملا
- تهمش وتهمل وتهان فتزداد عزا وأملا
- يحاولوان إفسادك فتزداد صلاحا وأملا
- يشتتونك فتزداد تركيزا وأملا
- يخوفونك فتزداد أمنا وأملا
- يعزلونك فتزداد أنسا بالله وأملا
- يحاصرونك في رزقك فتزداد صبرا وأملا
- يشوهوك ويجرموك ويغربونك عن مجتمعك فتزداد واقعية وعملية وحضورا وأملا
إنه الإيمان بالله تعالى الذي لا يدانيه شك، إنه اللجوء والتذلل المستمر، والإلحاح الممتد على باب الله تعالى: "قَالُواْ يَٰشُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً ۖ وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَٰكَ ۖ وَمَآ أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍۢ" (هود: 91).
لكن الله تعالى أمرني، وهو وليي ويفهمني ويراقبني، وإنها الأجيال التالية ستفهمني.
لماذا نحتفظ ونتمسك بالأمل في أصعب اللحظات؟
حتى في أصعب وأحلك الظروف، وأكثرها ظلمة، وألما ومرارة، نظل متمسكين بالأمل والنور، وعسل ومتعة وروعة الفرج، وأمان الولاية والرحمة الربانية، واليقين التام باتصالك بالسماء وما بعدها بالله تعالى مباشرة، يقول كن فيكون، بحكمته وقدره وقت يشاء.
إنه الأمل سبب وجودنا ورغبتنا في الحياة، بل ومتعة العمل والبذل والتحدي والإصرار، والانتظار والترقب والثقة في الإنجاز والنجاح والفرج القادم بإذن الله تعالى.
Comments